فى القناطر

يارب........... احفظها..................يارب

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الثلاثاء، 23 يونيو 2009

المقال اليومى عن الاعدام بين الالغاء والابقاء

عقوبة الإعدام بين الإبقاء و الإلغاء وفقاً لأحكام القانون الدولي العام

المقدمة

منذ فترة ليست بالقصيرة اختلف الفقهاء والمشرعون حول الإبقاء على عقوبة الإعدام أو إلغائها، وقد انعكس ذلك على مختلف دول العالم، فبينما احتفظت العديد من الدول بهذه العقوبة، نجد دولاً أخرى قد قامت حالياً بإلغائها ولجميع الجرائم، في حين أن دولاً أخرى ألغتها لجميع الجرائم ما عدا الجرائم الاستثنائية كجرائم الحرب.

وفي هذه الورقة البحثية سنتناول هذه القضية وفقاً للمعاهدات والاتفاقيات الدولية الشارعة في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما سنتعرض لأهم النظريات الفقهية سواء القانونية أو الفلسفية التي تعرضت لدراسة هذه المسألة الخلافية.

مقتضيات الإبقاء على عقوبة الإعدام:

يرى المطالبون بالإبقاء على عقوبة الإعدام، أن ذلك يعد حماية للنظام والأمن في المجتمع، وأن العقوبة لا تستخدم إلا تجاه فئة خطيرة على المجتمع تهدد أمنه بل وحتى بقاءه لهذا يحرص المشرع على النص على هذه العقوبة، ردعاً للعتاة من المجرمين، وضماناًَََ لحق الضحايا وعوائلهم.

وتتأسس تلك النظرية على أن من يقتل ظلماً لا بد من حماية حقوق ورثته. وهذا يستلزم معاقبه الظالم، وإلا صارت الحياة فوضى، واعتدى الناس بعضهم على بعض، وأن العدل يقتضي أن من يقتل غيره ظلماً وعدواناً لابد من أن يعاقب بالقتل أيضاً لتكون هناك مساواة ويتحقق الردع؛ لأن القاتل الظالم عندما يعلم بمصيره إذا قتل غيره سيكف عن القتل، ويسود الأمان.

يؤيد فريق من الشراح الإبقاء على عقوبة الإعدام، نذكر منهم، بصفة خاصة، روسي، ولاكاني، ورومانبوزي، وكانت، وفون.

وتستند حجج الإبقاء على الإعدام إلى الاعتبارات الآتية:

1- عقوبة الإعدام تفي بحاجات هامة للمجتمع لا يمكن سدها بطرق أخرى، وسواء نفذت علناً أم حجبت عن الأنظار وراء جدران السجن، فإن الحجة المستخدمة هي أن عقوبة الإعدام ضرورية، على الأقل مؤقتاً من أجل خير المجتمع .

2- تعرف عقوبة الإعدام على أنها وسيلة فريدة في فعاليتها وملاءمتها لمنع الجريمة والمعاقبة عليها. لذا نادت المدرسة الوضعية بالإبقاء عليها بوصفها وسيلة صالحة لتحقيق الدفاع الاجتماعي، وهو غاية العقاب. فضرورة إنقاذ الجانب السليم من البنيان الاجتماعي تحتم بتر الجانب المريض واستئصاله، وعقوبة الإعدام هي أداة لحماية المنفعة العامة.

وذهب بعض الفقهاء إلى حد تشبيه تطبيق هذه العقوبة بأنه من قبيل نزع الملكية بالمنفعة العامة الذي تباشره الدولة قبل صاحب العقار.([1])

3- إن الحجة الأكثر شيوعاً لتبرير استخدام عقوبة الإعدام هي عامل الردع، وعقوبة الإعدام تحقق أقصى قدر من الزجر والإرهاب في النفس خشية سلب الحق في الحياة، وبالتالي فهي أكثر الوسائل فاعلية لتحقيق أهداف الدولة، والمحافظة على نظامها الاجتماعي.

وإحدى الدراسات التي تظهر وجود أثر رادع واضح لعقوبة الإعدام هي دراسة أجراها عالم اقتصاد أمريكي يدعى "إسحاق ارليج" واستخدم فيها أسلوباً إحصائياً يعرف بأسلوب "تحليل التراجع" بفحص التأثير المحتمل للإعدامات وغيرها من المتغيرات في جرائم القتل في الولايات المتحدة الأمريكية بمجملها في الفترة الواقعة ما بين عام 1932 - 1970 فخلال تلك الفترة، وبخاصة في الستينات، ارتفع عدد جرائم القتل، بينما انخفض عدد الإعدامات. وفي مقالة نشرت عام 1975 استنتج "إسحاق ارليج" أن بحثه أشار إلى وجود رادع فعال لعقوبة الإعدام، وذكر أن تنفيذ إعدام إضافي كل سنة طوال الفترة موضوع الدراسة ربما أدى إلى انخفاض في عدد جرائم القتل بمعدل سبع أو ثماني جرائم.([2])

4- ثم هناك حجة الإعجاز، وتتلخص في أنه يجب قتل المحكوم عليه للتأكد من عدم تكراره للجريمة.

5- وبجانب حجج الردع والإعجاز، فإن حجة الجزاء تؤكد أنه يجب قتل مجرمين معينين لا لمنع وقوع الجريمة، بل إرضاء لمطالب العدالة، فالإعدام يعتبر مجازاة على فعل شرير، وبقتل المجرم يظهر المجتمع شجبه لجريمته، والإقناع بهذه الحجة يستمد جذوره من النفور الشديد الذي تثيره جرائم العنف في المواطنين الحريصين على القانون، فالرأي العام يطالب ويتمسك بها.

6- ومن الأسباب التي تستخدم لتبرير عقوبة الإعدام أنه من الأوفر ببساطة قتل سجناء معينين بدلاً من إبقائهم في السجن.

مقتضيات إلغاء عقوبة الإعدام :

تشكل عقوبة الإعدام- وفقاً لآراء العديد من المنظمات الدولية وأيضاً فقهاء القانون الدولي، عقوبة في منتهى القسوة، واللاإنسانية، والإهانة. وهي عقوبة لا يمكن الرجوع عنها حال تنفيذها، ويمكن أن تُنزل بالأبرياء. ولم يتبين قط أنها تشكل رادعاً ضد الجرائم أكثر فعالية من العقوبات الأخرى.

ويرى البعض أن عقوبة الإعدام هي الاسم الحكومي لكلمة القتل، فالأفراد يقتلون بعضهم البعض، ولكن الحكومات والدول تعاقب الأفراد بعقوبة الإعدام، وينبع مطلب إلغاء الإعدام ومنع القتل كلاهما من السبب نفسه؛ أي معارضة القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد من قبل شخص ما لشخص آخر، وسواء قام بالقتل حكومة معينة أو مرجع ذو صلاحية، فلن يغير ذلك من حقيقة الأمر أبداً، وهي أننا نواجه حالة قتل متعمد. فعقوبة الإعدام هي أبشع أشكال القتل المتعمد وأقذرها، وأشدها سخافة؛ لأن ثمة مؤسسة سياسية تقرر أمام الناس، وتعلن مسبقاً على الزملاء وبأقصى درجات اللامبالاة وبرود الأعصاب والشعور بالحقانية عن قرارها في قتل شخص، وتعلن أيضاً اليوم والساعة التي ستقوم فيها بهذا الأمر.([3])

وفي مقابل الدعوة للإبقاء على عقوبة الإعدام – تقود منظمة العفو الدولية- الدعوة إلى إلغاء تلك العقوبة حيث تكتسب مؤيدين وأنصاراً وأرضاً جديدة في دعوتها، فالمشاهد أن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام من تشريعاتها الجنائية في ازدياد مستمر.

ومن أبرز معارضي هذه العقوبة "كراراcarrara " وعلى سبيل المثال يتحدث الدكتور "هانز أيزنك hans eysenck " أستاذ علم النفس بجامعة لندن، عن أثر عقوبة الإعدام في الردع العام نافياً هذا الأثر، وقائلاً "وقد تركزت المناقشات التي دارت حديثاً حول عقوبة الإعدام شيئاً فشيئاً حول نقطة واحدة حاسمة وهي: هل تعوق العقوبة أو لا تعوق الناس من ارتكاب الجرائم التي وضعت هذه العقوبة من أجلها؟ .

ومن الناحية الإحصائية هناك دلائل مقنعة على أن عقوبة الإعدام لم تمنع الناس من ارتكاب الجرائم، فقد أتضح مراراً أن إلغاء عقوبة الإعدام لم ينتج عنه ازدياد في جرائم القتل، وأنه عند إعادة العقوبة لا يقل، عددها وزيادة على ذلك، فإنه منذ عام 1975 عندما ألغى القانون عقوبة الإعدام (في انجلترا) بالنسبة لبعض الجرائم وأبقاها بالنسبة لبعض الجرائم الأخرى، ازداد عدد تلك الجرائم التي ظلت العقوبة قائمة بالنسبة لها، وما تزال توجد حجج انفعالية ضد إلغاء عقوبة الإعدام، ولكن الحجج العقلية تبدو في صف إلغائها.

وإحدى العقبات الغريبة في وجه إلغاء عقوبة الإعدام هي الإحساس الذاتي الذي يحس به الكثير من الناس من أنها تمنعهم هم أنفسهم من الانغماس في القتل وغيره من الجرائم التي عاقب عليها القانون بالإعدام، ومن ثم فإنها – أي عقوبة الإعدام – تمنع الناس الذين ربما كان احتمال ارتكابهم لتلك الجرائم أكثر من ارتكابها.

وتؤيد منظمة العفو الدولية ذلك الرأي فتقرر:([4])

فمن الخطاء افتراض أن جميع الذين يرتكبون جرائم خطرة كالقتل أو معظمهم يقومون بذلك بعد التفكير في النتائج بشكل عقلاني. فجرائم القتل ترتكب، في معظم الأحيان، في لحظات انفعال عندما تتغلب العواطف الهائجة على الصواب. وقد ترتكب أيضاً تحت تأثير الكحول أو المخدرات أو في لحظات الذعر مثلاً عندما يفاجأ مرتكبها متلبساً بجريمة سرقة، وبعض الأشخاص الذين يقترفون جرائم عنف يكونون فاقدين التوازن عاجزين عن ضبط عواطفهم أو مصابين بمرض عقلي، وفي كل هذه الحالات لا ينتظر أن يردع الخوف من عقوبة الإعدام من ارتكاب الجريمة.

وبعد قضاء 32 عاما في مصلحة السجون الطبية توصل طبيب بريطاني إلى أن (الردع ليس على الإطلاق مسألة بسيطة كما يفكر بعض الناس ... فهناك نسب كبيرة من القتلة يكونون متوترين وقت ارتكاب الجرائم إلى درجة تجعلهم غير مكترثين للعواقب التي قد تنزل بهم بينما ينجح آخرون في إقناع أنفسهم بأن بإمكانهم النجاة من العواقب).

لقد قامت اللجنة الملكية المعينة بعقوبة الإعدام في المملكة المتحدة (1949 – 1953) بدراسة الإحصائيات المتوافرة حول السلطات القضائية التي ألغت عقوبة الإعدام أو توقفت عن فرضها في جريمة القتل العمد. ومن خلال دراستها لسبعة بلدان أوروبية بالإضافة إلى نيوزيلندا وولايات مفردة داخل استراليا والولايات المتحدة الأمريكية استنتجت اللجنة أن: (ليس هناك أدلة واضحة في أي من الأرقام التي فحصناها تثبت أن إلغاء عقوبة الإعدام قد أدى الى ارتفاع معدل جرائم القتل أو أن إعادة فرضها قد أدت إلى انخفاض هذا المعدل).

وعلى نحو مماثل تفشل إحصائيات توافرت مؤخراً عن الجرائم في بلدان ألغت عقوبة الإعدام في إظهار أي أثار ضارة ناجمة عن الإلغاء.

ورغم أن عدد الإدانات على جرائم قتل في استراليا الجنوبية كان خلال السنوات الخمس بعد الإلغاء أعلى مما كان عليه في السنوات الخمس قبلها، أظهرت دراسة أجريت على مدى أطول أنه: (لم يكن لإلغاء عقوبة الإعدام أي تأثير لمعدل جرائم القتل في تلك الولاية) (ألغيت عقوبة الإعدام هناك عام 1976).

وفي جاميكا لم يحدث أي تغير ملحوظ في معدل جرائم القتل خلال فترة وقف الإعدامات ما بين عام 1976 – 1980 رغم حدوث موجة من أعمال القتل السياسي خلال الانتخابات العامة سنة 1980، وفي كندا هبط معدل جرائم القتل بالنسبة لكل 100000 نسمة بعد أن بلغ ذروته 3.09 عام 1975 وهي السنة التي سبقت عقوبة الإعدام على جريمة القتل العمد إلى إن بلغ 2.74 عام 1983 و بلغ عام 1986 أدنى نسبة له منذ 15 سنة. أما في المملكة المتحدة، فقد ارتفع عدد جرائم القتل منذ إلغاء عقوبة الإعدام على جريمة القتل العمد، ولكن هذه الزيادة كانت أقل كثيراً من الزيادة في جرائم عنف خطرة أخرى.

وتبين الأرقام أن الإلغاء لا يؤثر سلباً في معدلات الجريمة، ففي كندا انخفض معدل القتل لكل 10000 نسمة من 3.09 في العام 1975 (العام الذي سبق الإلغاء) إلى 1.73 في العام 2003 وهو أدنى معدل في ثلاثة عقود. ([5])

إن المؤيدين لإلغاء عقوبة الإعدام يسنتدون في دعم آرائهم إلى الأسانيد الآتية: ([6])

أولاً: أن عقوبة الإعدام يستحيل معها إصلاح المحكوم عليه وإعادة تقويمه. وهذا من الأهداف التي يجب أن تسعى إليها الدولة بفرض العقاب، ولو كأهداف ثانوية والعقوبة التي تقطع باب الأمل أمام الفرد لا يمكن أن تكون عادلة.

ثانياً: أن عقوبة الإعدام غير مجزية وغير نافعة سواء من وجهة فردية أو من وجهة إقناعية، فهي تحول دون أن يشرع المحكوم عليه – تحت رقابة الدولة – في إصلاح آثار الجريمة كلما كان ذلك ممكناً. كما أن العقوبة تحرم الدولة من قوة عاملة يمكن أن تسهم في الإنتاج، وبخاصة بعد أن أصبح العمل في السجون عاملاً في زيادة الإنتاج.

ثالثاً: هذه العقوبة يستحيل إصلاح آثارها حين يبدو أن العدول عنها حق وواجب، فقد تظهر براءة المحكوم عليه بعد تنفيذ العقوبة، وذلك لأن الأخطاء القضائية ليست نادرة والعدالة الإنسانية نسبية، حتى إن أغلب التشريعات الوضعية تقر الحق في تصحيح أخطاء الأحكام.

ومن قبيل ذلك التماس إعادة النظر الذي قرره المشرع المصري في المواد 441/453 من قانون الإجراءات الجنائية، ويقتضي هذا النظام جواز إعادة النظر في الأحكام في أحوال معينة كما (إذا حكم على المتهم في جريمة قتل ثم وجد المدعي قتله حياً) وواضح أنه إذا كان الحكم صادراً بالإعدام ونفذ، فلا سبيل لإنقاذ مواطن بريء. أما إذا كان الحكم صادراً بعقوبة أخرى، فيمكن إيقاف تنفيذها، ومنح هذا المواطن حريته.

رابعاً: عقوبة الإعدام غير عادلة؛ لأنها غير قابلة للتدرج وفقاً لمبدأ مسؤولية الجاني أو مدى خطورته أو مدى ما حققه من ضرر.

خامساً: عقوبة الإعدام تتسم بالضراوة والبشاعة، فالإعدام ليس فيه عظه تربوية بل يوقظ الشهوة إلى سفك الدماء.

سادساً: وحجة فلسفية استند إليها أنصار الإلغاء ذلك انه إذا كان أساس حق العقاب هو العقد الاجتماعي، فإن الإنسان – الذي ليس له الحق في القتل لا يمكن أن يتنازل للدولة عن حقه في الحياة.

كما يستند بعض مؤيدي إلغاء عقوبة الإعدام إلى إحصائيات كثيرة تمت في ظروف متعددة تشير إلى أن تشديد العقاب، بوجه عام، لم يؤد، بالضرورة، إلى تخفيف حدة الجريمة، كما أن تخفيفه لم يؤد، بالضرورة، إلى زيادتها، لكن ازدياد نسبة الإجرام أو نقصها أمر يمكن أن يرجع إلى جملة عوامل وظروف شخصية واجتماعية، لعل من أقلها شأناً تأثير العقاب في النفوس مقداراً أو نوعاً ولو وصلت إلى حد الإعدام.

ولعل هذا الاعتبار كان – بالإضافة إلى العوامل الإنسانية والحضارية والعلمية المتنوعة- من أقوى الاعتبارات التي أدت إلى إلغاء عقوبة الإعدام في دول كثيرة متزايدة خصوصاً في مستهل هذا القرن حتى الآن.

ضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام:

لقد اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمه الأمم المتحدة بقراره رقم 50/1984 بتاريخ 25 مايو 1984 قراراً يضمن العديد من الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأفراد الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وهذا يؤكد الحرص والعناية التي أولتها منظمه الأمم المتحدة للحق في الحياة باعتباره حقاً أصيلاً، بل يعد حق الحقوق الإنسانية الأساسية.

وقد راعى المجلس في قراره هذا العديد من الفئات والمجموعات والأفراد التي قد تواجه وقوع عقوبة الإعدام ضدها.

ليست هناك تعليقات: