فى القناطر

يارب........... احفظها..................يارب

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الأحد، 25 أكتوبر 2009

المحاكم الاقتصادية والنازاعت المختصةبها والقوانين

المحاكم الاقتصادية هي محاكم متخصصة تفصل فى منازعات تجارية واستثمارية، مواكبة لمرحلة الإصلاح الاقتصادي الذي يستهدف تحرير التجارة ودعم الاستثمار وجذب المزيد من المستثمرين، بهدف إزالة المعوقات المؤثرة على كفاءة الأداء الاقتصادي وسرعة حسم الدعاوى الاقتصادية المنظورة أمام القضاء.

وقد ظهرت فكرة المحاكم الاقتصادية في مصر قبل 4 سنوات، وتبنتها الحكومة في شكل مشروع قانون لإنشاء المحاكم الاقتصادية عام 2006، حيث وافق عليه مجلس الوزراء، وتم إرساله إلى مجلسي الشعب والشورى لمناقشته وإقراره، إلا أن المشروع ظل متعثراً بسبب كثرة التشريعات ذات الأولوية، مثل التعديلات الدستورية وقانون الضرائب، حتى تم إقراره في 22 مايو/ آيار 2008، وبدأ العمل به منذ أول أكتوبر/تشرين الأول بالعام نفسه.

أهم القضايا

ورغم أن العمر الفعلي للمحاكم الاقتصادية بمصر، لا يزيد عن 10 شهور، إلا أنها نظرت قضايا اقتصادية مهمة، أبرزها الدعوي القضائية - التي نظرتها محكمة القاهرة الاقتصادية في الأول من أغسطس/ آب 2009 - ضد ‏4‏ شركات إسمنت، التي أقامتها إحدى شركات المقاولات، بعد إسدال الستار علي قضية احتكار شركات الإسمنت، بصدور حكم محكمة النقض برفض طعون شركات الاسمنت لإلغاء حكم أول درجة ضدهم بتغريم ‏20‏ متهماً ‏10‏ آلاف جنيه لكل متهم‏.‏

وكانت الشركة قد طالبت في صحيفة دعواها بتعويض‏ 20‏ مليون جنيه نتيجة الأضرار التي لحقت بها بسبب الممارسات الاحتكارية لشركات الاسمنت الـ4. وأكدت في صحيفة الدعوى انها تعمل في مجال المقاولات والبناء وتعاقدت علي إنشاء وتشييد بعض الأبنية مقابل مبالغ مالية علي أساس أن سعر طن الاسمنت في حينه بلغ 150‏ جنيهاً ثم ارتفع فجأة الي ‏360‏ ثم ‏500‏ جنيه للطن حتي وصل ‏700‏ جنيه للطن موضحة ان هذه الزيادة غير المسبوقة وغير المبررة ، ترتب عليها إلحاق خسارة مالية فادحة بالشركة نتيجة تحملها لفروق الأسعار، وإصابتها بأضرار أدبية نتيجة لمخالفة شركات الاسمنت لقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.

ومن أشهر قضايا المحكمة الاقتصادية أيضا، قضية "البوشي"، حيث قضت محكمة الجنايات بمحكمة القاهرة الاقتصادية - في جلستها المنعقدة برئاسة المستشار إبراهيم محمد سليمان فى 6/6/2009 - بمعاقبة رجل الأعمال المصري الهارب "نبيل البوشي" غيابياً بالسجن 15 عاماً، و"فكري بدر الدين" رئيس شركة بالسجن 3 سنوات، وذلك في قضية تلقى أموال من الجمهور، قيمتها نحو 350 مليون جنيه مصري لتوظيفها واستثمارها مقابل عائدات سنوية بنسب متفاوتة والامتناع عن ردها لأصحابها.

وفي قضية أخرى، قررت شركة "أوراسكوم تيليكوم" المصرية في 5 يوليو/ تموز 2009 التنازل عن الدعوى القضائية المرفوعة أمام المحكمة الاقتصادية المصرية على شركة "فرانس تيليكوم" الفرنسية مع احتفاظها بجميع حقوقها، بما فيها التعويضات، بشأن النزاع حول الملكية المشتركة للشركة المصرية لخدمات الهاتف المحمول "موبينيل"، وذلك بعد نفي "فرانس تيليكوم" نيتها تقديم عرض شراء لصغار المستثمرين.

وقد رفعت "أوراسكوم تيليكوم" في 19 مايو/ أيار2009 دعوى قضائية طالبت فيها بـ"إعلان بطلان اتفاقية بيع الأسهم الناشئة عن قرار التحكيم الصادر في 10 مارس/ آذار 2009، وأرجعت الشركة دعواها إلى تخلف الشركة الفرنسية عن سداد ثمن الأسهم والتعويضات عن الأضرار الناشئة في الوقت المنصوص عليه في قرار التحكيم، وفقاً للبيان الذي نُشر على موقع البورصة المصرية.

وكانت شركتا "أوراسكوم تيليكوم " و"فرانس تيليكوم" قد أحالتا إلى المحكمة الاقتصادية في 2007 خلافهما حول حصتيهما في شركة قابضة تملك نحو 51 % من الشركة المصرية لخدمات التليفون

قانون الإنشاء

تم إنشاء المحاكم الاقتصادية بموجب إصدار قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008م ، فهو التشريع الذي ينظم المسائل المتعلقة بهذه المحاكم ، ويحدد اختصاصاتها وتشكيلها، على أن يصدر وزير العدل القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون.

ويقضى القانون بإنشاء محكمة اقتصادية أو أكثر بدوائر محاكم الاستئناف ، تضم كل منها دوائر ابتدائية وأخرى استئنافية يرأسها رئيس بمحاكم الاستئناف لمدة سنة قابلة للتجديد ، ويجب أن تتكون كل دائرة ابتدائية بالمحكمة -طبق المادة (2) من قانون إنشاء المحاكم الإقتصادية - من 3 رؤساء بالمحاكم الابتدائية، وكذلك تتكون كل دائرة إستئنافية من 3 قضاة بمحاكم الاستئناف على أن يكون أحدهم -على الأقل- بدرجة رئيس بمحكمة الاستئناف.

وتتشكل المحكمة الاقتصادية من قضاة محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية ، الذين يتم ندبهم بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.

منازعات ودعاوى بدوائر المحاكم الاقتصادية

أ) الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية

بإستثناء المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة ، تختص الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية دون غيرها بنظر المنازعات والدعاوى التي لاتتجاوز قيمتها 5 ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق 13قانوناً :

1- قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال واستثمارها .
2-قانون سوق رأس المال.
3-قانون ضمانات وحوافز الاستثمار.
4-قانون التأجير التمويلي.
5-قانون حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
6-قانون التجارة في نقل التكنولوجيا والوكالة التجارية وعمليات البنوك والإفلاس والصلح الواقى منه.
7-قانون التمويل العقاري.
8-قانون حماية الملكية الفكرية.
9-قانون تنظيم الاتصالات.
10-قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.
11-قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
12-قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
13-قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.

ب) الدوائر الاستئنافية في المحاكم الاقتصادية

تختص دون غيرها بالنظر ابتداء في كل المنازعات والدعاوى المنصوص عليها ، في المادة (6) بالقانون، إذاجاوزت قيمتها 5 ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة.

منازعات التنفيذ

يختص رؤساء الدوائر الابتدائية -حسب المادة (7) بالقانون - بالحكم في منازعات التنفيذ الوقتية والموضوعية عن الأحكام الصادرة من المحاكم الاقتصادية ، وتلك التي يصدرها القاضي بالمادة (3) ،ويطعن في الأحكام الصادرة منها أمام الدوائر الاستئنافية بالمحكمة.

ويكون الاختصاص بالفصل في التظلمات من هذه القرارات والأوامر للدائرة الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية، على ألا يكون بين أعضائها من أصدر القرار أو الأمر المتظلم منه.

الجنح الإقتصادية

تختص الدوائرالابتدائية بالمحاكم الاقتصادية بنظر قضايا الجنح المنصوص عليها في المادة (4) من قانون الإنشاء، حيث يقوم 3 رؤساء بالمحاكم الابتدائية بنظر الجنح الاقتصادية ، مما يشكل ضمانة للحقوق المرتبطة بتحقيق العدالة ، لأنها تختلف عن محكمة الجنح العادية التى تعد ،وفق قانون الاجراءات الجنائية ،محكمة جزئية مكونة من قاض واحد. أما المحكمة الاقتصادية المختصة بالجنح ، فهى محكمة إبتدائية تتكون من رؤساء المحاكم الابتدائية الـ3 مما يزيد الدقة والسرعة فى الفصل .

ويكون استئناف هذه الجنح أمام الدوائر الاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، وفق الاجراءات وأحكام النفاذ المعجل المقررة في قانون الإجراءات الجنائية.

الجنايات الاقتصادية

تنظر الدوائر الاستتئنافية بالمحاكم الاقتصادية إبتداء الجنايات الاقتصادية، المنصوص عليها في المادة (4) من القانون.

* وتختص الدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية، دون غيرها ، نوعياً ومكانياً، بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في 17 قانوناً يتمثل فى :

1 - قانون العقوبات في شأن جرائم التفالس .
2 - قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر.
3 - قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
4 - قانون سوق رأس المال.
5 - قانون ضمانات وحوافز الاستثمار.
6 - قانون التأجير التمويلي.
7 - قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية.
8 - قانون التمويل العقاري.
9 - قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.
10 - قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
11 - قانون الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها.
12 - قانون التجارة في جرائم الصلح الواقي من الإفلاس.
13 - قانون حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة فى التجارة الدولية.
14 - قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
15 - قانون حماية المستهلك.
16 - قانون تنظيم الاتصالات.
17 - قانون تنظيم التوقيع الالكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.

هيئة تحضير المنازعات والدعاوى

تنشىء كل محكمة اقتصادية -وفق المادة (8 ) من القانون– هيئة لتحضير المنازعات والدعاوى التي تختص بها ، وذلك فيما عدا الدعاوى الجنائية والدعاوى المستأنفة والدعاوى والأوامر المنصوص عليها في المادتين (3) و (7) من هذا القانون.

تشكيلها واختصاصها

ويتم تشكيل هيئة التحضير برئاسة قاض من قضاة الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الاقتصادية -على الأقل- وعضوية عدد كاف من قضاتها بدرجة رئيس محكمة أو قاض بالمحكمة الابتدائية، تختارهم جمعيتها العامة في بداية كل عام قضائي ، ويلتحق بها العدد اللازم من الإداريين والكتابيين.

ويحدد قرار وزير العدل نظام العمل في هذه الهيئة وإجراءات ومواعيد إخطار الخصوم بجلسات التحضير وإثبات وقائع هذه الجلسات.

كما تختص هيئة التحضير والدعاوى بالتحقق من استيفاء مستندات المنازعات والدعاوى و دراستها ، وعقد جلسات استماع لأطرافها، وإعداد مذكرة بطلبات الخصوم وأسانيدهم، وأوجه الاتفاق والاختلاف بينهم ، وذلك خلال مدة لا تتجاوز 30يوما من تاريخ قيد الدعوى. ويحق لرئيس الدائرة المختصة أن يمنح الهيئة بناءً على طلب رئيسها مدة جديدة للتحضير لا تتجاوز 30 يوماً ،وإلا تولت الدائرة نظر الدعوى .

وتبذل هيئة التحضير محاولات للصلح بين الخصوم ، فإذا قبلوه، رفعت محضراً به موقعاً منهم إلى الدائرة المختصة لإلحاقه بمحضر جلسة نظر الدعوى وفق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية.

جدول خبراء

ويمكن للدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية - طبقاً للمادة (9 ) بالقانون – أن تستعين برأي من تراه من الخبراء المتخصصين المقيدين في الجداول التي تعد لذلك بوزارة العدل.

ويتم القيد في هذه الجداول بقرار من وزير العدل بناءً على الطلبات المقدمة من راغبي القيد أو من ترشحهم الغرف والاتحادات والجمعيات وغيرها من المنظمات المعنية بشئون المال والتجارة والصناعة ، وتحدد الدوائر،حسب الأحوال ، الأتعاب التي يتقاضاها الخبير ، وذلك وفقاً للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من وزير العدل.

الطعن بالإستئناف

يتم الطعن في الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية -وفق المادة (10) بالقانون – أمام الدوائر الاستئنافية بتلك المحاكم دون غيرها.

بينما يكون الطعن في الأحكام والتظلمات من الأوامر الصادرة من القاضي -وفق المادة (3) من هذا القانون- أمام الدوائر الابتدائية دون غيرها.

و يكون ميعاد استئناف الأحكام الصادرة في الدعاوى التي تختص بها الدوائر الابتدائية بالمحكمة الاقتصادية –طبق أحكام المادة (5) من القانون - خلال 40يوما من تاريخ صدور الحكم، فيما عدا الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة، والطعون المقامة من النيابة العامة.

الطعن بالنقض

ولم يخضع المشرع أحكام المحاكم الاقتصادية الصادرة من الدوائر الاستئنافية للطعن بالنقض لاعتبارات تتعلق بالسرعة والمراكز القانونية ، واستثني فقط الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في الجنايات الاقتصادية لخطورتها‏.‏

إجراءات الطعن بالنقض

وتنظم المادة (12) من قانون الإنشاء اجراءات الطعن بالنقض حيث تشكل بمحكمة النقض دائرة أو أكثر تختص، دون غيرها، بالفصل في الطعون بالنقض في الأحكام المنصوص عليها في المادة (11) من القانون .

وفور إيداع نيابة النقض مذكرة برأيها، يتم عرض الطعن بالنقض على دائرة فحص الطعون ، فإذا رأت أن الطعن غير جائز أو غير مقبول،للأسباب الواردة في الفقرة الثانية من المادة 12 بالقانون ،أمرت بعدم قبوله بقرار مسبب وموجز ، وألزمت الطاعن بدفع المصروفات فضلا عن مصادرة الكفالة إن إقتضى الأمر.

وإذا رأت أن الطعن جدير بالنظر أحالته إلى الدائرة المختصة مع تحديد جلسة لنظره. وفى جميع الأحوال لا يجوز الطعن في القرار الصادر من دائرة فحص الطعون بأي طريقة.

الاستثمار فى ظلها

أثارت هذه المحاكم منذ تأسيسها جدلاً بين خبراء الاقتصاد الذين انتظروها منذ سنوات حتى تسهم فى تشجيع الاستثمار الداخلي، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية للعمل في السوق المصرية ‏ من خلال سرعة التقاضى لكسب ثقة المستثمر ورجل الأعمال خاصة أن إجراءات القضايا الاقتصادية كانت تستغرق وقتاً طويلاً عند نظرها في المحاكم المدنية، مما يعود بالضرر على الطرف الواقع عليه الظلم ، و ربما يتسبب فى توقف العديد من المشروعات الاقتصادية أو هروب المستثمرين. بينما يساعد وجود هذه المحاكم فى تعجيل نظر تلك القضايا النوعية وحلها في أقصر وقت ممكن، بشكل يحفظ للمتضرر حقه في عدم الخسارة نتيجة طول الانتظار.

أما أساتذة القانون وقضاة مجلس الدولة ، فأكثرهم قد انتقدوها بشدة على أساس أن المحاكم القائمة تفي بمتطلبات رجال الأعمال، ومن بين تحفظاتهم ، إعطاء القانون الحق لوزير العدل في تعيين أو ندب قضاة ومستشارين لهذه المحكمة ، مما يشكل نوعاً من فرض السيطرة على القضاء .

والملاحظ أن العديد من نصوص قانون تأسيس المحاكم الاقتصادية تتضمن استثناء كبار رجال الأعمال من التقاضي أمام القضاء العادي، وإحالتهم الى المحاكم الاقتصادية في القضايا التي يتجاوز فيها النزاع عدة ملايين، وهذا يمثل نوعاً من التمييز المخالف للدستور الذي يساوي بين المواطنين ولا يجعل هناك أفضلية للبعض منهم، بشكل يثير الهواجس من استخدام القانون لحماية المفسدين الذين يسطون على الأموال العامة

‏ بينما عارضه بعض القانونيين لتعارضه ونظام التحكيم الدولي الذي يشهد له معظم الأجانب بالحيدة والنزاهة‏.‏ ويرى بعض الخبراء أن قانون المحاكم الاقتصادية يحتوى على العديد من الثغرات ، على رأسها نصه على عدم أحقية الشاكي في اللجوء لسلاح النقض في الأحكام الصادرة من الدوائر الابتدائية في المحكمة الاقتصادية، مما يعد إهدارا لحقوق المواطنين والمتقاضين في اللجوء لدرجات أعلى من المحاكم، بما يضمن صحة الأحكام وهو عرف معمول به في كل أنواع التقاضي.

وطالب الجانبان بأن تختص تلك المحاكم بالقضايا الاحتكارية، لأن حق التقاضي مكفول للجميع، وبناءً عليه من حق المواطن العادي رفع دعوى قضائية ضد أي مستثمر يقوم باحتكار السوق في سلعة ما ويسهم فى رفع أسعارها.

السبت، 17 أكتوبر 2009

دعوى الطلاق للضر مذكرة دفوع الفرق بنها وبين الخلع

محكمة القاهرة الكلية للأحوال الشخصية
الدائرة الثالثة كلى شمال
مـذكــــرة
ــــــــــــــ
بدفاع السيدة / ــــــــــــــــــــــ
مدعية

ضــــد
السيد / ــــــــــــــــــــــــــــ
مدعى عليه

فى الدعوى رقم ــــــــ لسنة ـــــــــ.
المحدد لنظرها جلسة 22/4/2000 للمرافعة
.
واقعات التداعى
إحالة : نحيل فى واقعات التداعى الى ما جاء بصحيفة افتتاح الدعوى منعاً من التكرار و نوجزها فى القدر اللازم لهذه المذكرة على النحو التالى :

أقامت المدعية دعواها الماثلة بطلب الحكم بتطليقها على المدعى عليه طلقة بائنة للضرر مع إلزامه بالمصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة .

تدوولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها و بجلسة 29/1/2000 حكمت المحكمة حضورياً : وقبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى الى التحقيق لتثبت المدعية بكافة طرق الإثبات الشرعية و القانونية و قرائن الأحوال أن المدعى عليه أساء معاشرتها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما بأن تعدى عليها بالضرب و السب و قام بتبديد منقولاتها و طردها من منزل الزوجية و هجرها مع بيان تاريخ ذلك الهجر وأنها تخشى على نفسها الفتنة وأنها تتضرر من ذلك
و للمدعى عليه النفى بذات الطرق .

و بجلسة 11/3/2000 و تنفيذاً للحكم التمهيدي أستمعت عدالة المحكمة لشهود الطرفين
و شهد شاهدا المدعية بأن المدعى عليه تعدى على المدعية بالضرب و السب وأنه بدد منقولاتها الزوجية وهجرها من سنة و نصف تقريباً وأنه لا ينفق عليها كما شهدا باستحالة دوام العشرة بينهما .

كما شهد شاهدا المدعي عليه و هما شقيقاه بأن المدعية لا تقيم بشقة الزوجية منذ حوالى ثمانية شهور وأن المنقولات موجودة بمنزل الزوجية . . وعندما سئلا عن إمكان دوام العشرة بينهما أجابا : أيوة ممكن لمصلحة الأولاد !! . . . أى على حساب إنسانية المدعية !!! و هما بذلك شهدا بالهجر لأكثر من ثمانية أشهر .
الـدفــاع
إحالة وتمسك : نحيل فى دفاعنا الى ما جاء بصحيفة إفتتاح الدعوى و نتمسك تمسكاً جازماً بكل ما ورد بها من دفاع و طلبات و بصفة خاصة الأساس القانونى للدعوى و صور الأضرار المتعددة بالصحيفة .
و يتناول دفاعنا فى هذه المذكرة بيان مدى أحقية المدعية فى طلباتها .

أحقية المدعية فى طلباتها
لثبوت الضرر واستحالة العشرة بينهم
ا
من المقرر شرعاً أن معيار الضرر الذى لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثال الزوجين شخصى لا مادى . و هو يختلف باختلاف بيئة الزوجين و ثقافتهما ووسطهما الاجتماعى . وما يعتبر ضرراً يستحيل معه دوام العشرة فى بيئة أو وسط إجتماعى قد لا يعتبر كذلك فى غيره . فمجرد تولية الظهر للزوجة فى الفراش أو قطع الكلام عنها أو الإشاحة بالوجه مما يعتبر ضرراً يستحيل معه دوام العشرة بين أمثالهما إذا كان الزوجان ينتميان الى طبقة راقية على قدر مرتفع من الثقافة . وتقدير ما إذا كان الضرر من شأنه أستحالة دوام العشرة بين أمثال الزوجين من الأمور الموضوعية التى تخضع لتقدير قاضى الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة مستمدة مما له أصل ثابت بالأوراق .
[ مؤلف موسوعة الفقه و القضاء فى الأحوال الشخصية للمستشار / محمد عزمى البكرى
الجزء الثانى ( الطلاق ) طبعة 1996 ص 374 ، 375 ]
و من المقرر بلا خلاف أن تقدير أقوال الشهود هو مما تستقل به محكمة الموضوع ولها أن تأخذ ببعض أقوالهم دون البعض الآخر وبأقوال واحد أو أكثر من الشهود دون غيرهم حسبما يطمئن إليه وجدانها من غير أن تكون ملزمة ببيان أسباب ترجيحها لما أخذت به وأطراحها لغيره و لا معقب عليها فى ذلك . كما أن لها ترجيح شهادة على أخرى من غير أن تكون ملزمة ببيان أسباب هذا الترجيح ما دام أنها لا تخرج بها عما يؤدى إليه مدلولها .
[ مؤلف التعليق على قانون الإثبات للأستاذين / عز الدين الدناصورى ـ حامد عكاز
الطبعة السابعة ص 538 ]

و تطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه :-
" يكفى فى ثبوت أضرار الزوج بزوجته أضراراً يدل على عدم أمانته على نفسها و مالها أن تتفق شهادة الشهود على إيذاء الزوج زوجته على نحو معين تتضرر منه دون أن يشترط لذلك أن تنصب شهادتهم على كل واقعة من الوقائع التى تشكل هذا الإيذاء باعتبار أنها ليست مقصود الدعوى بل هى تمثل فى مجموعها سلوكاً تتضرر منه الزوجة . "
[ طعن رقم 116 لسنة 55 ق جلسة 24/6/1986 ]

كما قضت بأن :-
" التطليق للضرر . ماهيته . كفاية أتفاق الشهود على أضرار الزوج بزوجته على وجه معين . علة ذلك . استقلال محكمة الموضوع بتقدير عناصره . "
[ طعن رقم 163 لسنة 60 ق أحوال شخصية جلسة 22/2/1994
منشور بمجلة القضاه السنة (27) العدد الثانى طبعة 1994 ص 750 مبدأ رقم 12
مشار إليه أيضاً بالمرجع السابق للمستشار / محمد عزمى البكرى ص 365 ]

كما قضت أيضاً بأن :
" لمحكمة الموضوع سلطة تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها و الترجيح بين البينات بحيث تقضى فى موضوع الدعوى بما يطمئن إليه وجدانها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة كافية لحمله لها أصلها الثابت فى الأوراق . "
[ نقض 18/1/1994 الطعن رقم 2142 لسنة 59 ق
الطعن رقم 187 لسنة 39 ق جلسة 4/12/1973 س 24 ص 1213
مشار إليهما بالمرجع السابق للأستاذين / عز الدين الدناصورى ـ حامد عكاز ص 552 ]
لما كان ذلك و كان الثابت من أقوال الشهود و المستندات الرسمية المقدمة من المدعية بحافظة مستنداتها بجلسة 20/11/1999 أن المدعى عليه غير أمين على نفس المدعية و مالها بالإضافة الى هجره لها وإمتناعه عن الإنفاق عليها و ذلك ثابت على النحو التالى :
أولاً : أقوال الشهود الذين تم سماعهم بجلسة 11/3/2000 فقد شهد الشاهد الأول من شاهدى المدعية و هو خالها بأن المدعى عليه قام بالتعدى على المدعية بالضرب و السب و أنه رأى بنفسه المدعى عليه يضرب المدعية و يشتمهما و قال لها يا وسخة يا بنت الكلب و أنه بدد منقولاتها الزوجية و طردها من منزل الزوجية و هجرها منذ سنة و نصف تقريباً وأنه لا ينفق عليها كما شهد باستحالة العشرة بينهما .
و شهد الشاهد الثانى من شاهدي المدعية و هو عم المدعية بأن المدعى عليه قام بالتعدى على المدعية بالسب بقوله لها يا بنت الشرموطه وأنه طردها من منزل الزوجية و بدد منقولاتها و هجرها منذ سنة و نصف تقريباً و شهد باستحالة العشرة بينهما .

و من ثم يثبت لعدالة المحكمة مدى الضرر الجسيم الذى أصاب المدعية من المدعى عليه
و المتمثل فى عدم أمانته على نفسها لتعديه عليها بالضرب و السب و عدم أمانته على مالها لقيامه بتبديد منقولاتها الزوجية بالإضافة الى هجرها لها .

ثانياً : أقوال شاهدي المدعى عليه و هما شقيقاه : شهدا بأن المدعية لا تقيم بمنزل الزوجية منذ ثمانية أشهر وإن كانت شهادتهما هى مجاملة لشقيقهما المدعى عليه إلا أنهما شهدا بواقعة الهجر لأكثر من ثمانية شهور .

و من ناحية أخرى فإنهما شهدا بإمكان العشرة من أجل مصلحة الأولاد و ليس مصلحة المدعية أو مراعاة لحسن معاشرتها كما تستوجب الشريعة والإنسانية .

ثالثاً : المستندات المقدمه من المدعية و هى المحضر الرقيم 6591 لسنة 1998 جنح مصر الجديدة المحرر من المدعى عليه ضد المدعية ووالدها يتهمهما فيه بالتعدى عليه بالضرب و قد صدر حكم غيابى بحبس كل منهما أسبوع مع الشغل و عارضت المدعية فى هذا الحكم و قضى بجلسة 24/4/1999 بقبول المعارضة شكلاً و فى الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه و مجدداً ببراءة المدعية من هذا الإدعاء الكاذب هذا فضلاً عن أن المدعى عليه مقدم كمتهم فى القضيتين رقمى 4841 لسنة 2000 جلسة 15/4/2000 ، 20255 لسنة 2000 جلسة 7/5/2000 أمام محكمة جنح مصر الجديدة لتبديده منقولات المدعية و هذه المستندات قاطعة الدلالة على تعدد الخصومات القضائية مما أدى الى استحالة العشرة بينهما .

و من جماع ما تقدم يثبت لعدالة المحكمة الأضرار الجسيمة المتعددة التى أصابت المدعية من المدعى عليه و المتمثلة فى الضرب و السب و تبديد المنقولات الزوجية المملوكة للمدعية فضلاً عن هجر المدعى عليه للمدعية لمدة سنة و نصف هذا بالإضافة الى تعدد الخصومات القضائية بينهما و إمتناعه عن الإنفاق عليها و على صغارها على الرغم من الوسط الاجتماعى للمدعية فهى دكتورة طبيبة حاصلة على درجة الماجستير و من أسرة عريقة فوالدها أستاذ بكلية الطب جراح مسالك صاحب مستشفى و عيادتين بوسط المدنية الأمر الذى أدى الى استحالة العشرة بينهما بالقدر الذى يستوجب القضاء للمدعية بطلباتها الواردة بصحيفة الدعوى .

بناء علـيــه
نصمم على الطلبات الواردة بصحيفة افتتاح الدعوى .

الوقائع

رفعت المدعية القضية رقم 1058/79 محكمة مدني الابتدائية /ضد/ المدعى عليه طالبة طلاقها منه للضرر وبينت وقائع الدعوى، وصادقها المدعى عليه على الزوجية واستمرار العصمة وأنكر باقي الدعوى وكلفت المحكمة المدعية الإثبات فادعت بأنها قد سبق لها أن ادعت وقائع الضرر هذه ضمن دفعها للدعوى التي رفعها عليها المدعى عليه بطلبه الحكم له عليها بالطاعة بالقضية 467/1979 محكمة مدني الابتدائية وعجزت عن إثبات ذلك الدفع وطلبت يمين المدعى عليه فحلف اليمين على نفي الضرر ولا تزال عاجزة عن الإثبات . وحيث أنه قد سبق لها أن طلبت التفريق لضرر سابق بالقضية 151/1976 وقد رفضت تلك الدعوى أيضاً لعجز عن الإثبات، فقد تكررت من كل ذلك الشكوى – بالضرر وتحقق العجز عن إثباتها فطلبت بناءً عليه إحالة النزاع إلى حكمين بمقتضى المادة (15) من المنشور (17) .

المدعى عليه صادقها على سبق دعواها وقائع الضرر التي ادعتها مؤخراً في معرض التحقيق في قضية الطاعة وأنها قد عجزت حينذاك عن الإثبات وحلف اليمين بطلبها على نفيها ثم اطلعت المحكمة على أوراق القضية رقم 151/1976 وتبين لها صحة ما ادعته المدعية وأنها قد رفضت في 23/5/1976 وقررت بناء على كل ذلك بعث الحكمين .

بتاريخ 6/5/1980 رفع الحكمان قرارهما إلى المحكمة ويقضي باستحالة استمرار العشرة بين الزوجين وأنهما يريان بناءً عليه التفريق بين الزوجين مقابل ثلاثمائة جنيه يلزم الزوجة أن تدفعها للزوج

ماهو الفارق بين اقامة دعوى من الزوجة بطلب التطليق للضرر , واقامتها دعوى بطلب الخلع ؟؟

قضيتان من اهم واساسيات قضايا الاحوال الشخصية التى تكدست بها المحاكم فالاولى وهى الطلاق للضرروتكون بناء على طلب من الزوجة تثبت فيه فى دعوى مستقلة امام المحكمة
رغبتها فى الانفصال والطلاق من الزوج حيث تتضرر من سوء معاملة الزوج لها او اهماله منزله من الناحية الاسريه او المعنوية او المادية او الجنسية او انه يتعاطىشيئا من المخدرات او ما يشابهها او عدم التكافؤ فيما بينهما من النواحى العلمية الثقافيةاو المادية او الاجتماعية وفى كل يجتمع عنصر الضرر سواء بسوء المعاملة او المسببات المذكورة وترفع الدعوى من الزوجة ويطلب منها اثبات ذلك الضرر بكافة طرق الاثبات سواء بالشهود او المستندات التى تؤيد دعواها وصدق طلبها حتى يتسنى للمحكمة اجابتها الى طلبهااو رفض طلبها بالطلاق للضرر فالزوجة يقع عليها عبء الاثبات ويقع على الزوج عبء النفىبكافة طرق الاثبات الممنوحة للزوجة والفيصل بينهما قرار المحكمة حسبما يترائى للمحكمة
اما دعوى الخلع
من القضايا الحديثة التى استجدت على القانون المصرى وبها ترغب الزوجة فى الانفصال عن الزوج والطلاق منه لرغبتها وحدها دون رغبة الزوج وتود الطلاق بالخلع سواء لظروف ما تراها هى لا تتناسب والعيش مع هذا الزوج
ولكن يكون ذلك الطلاق بناء على ان ترد الزوجة كافة متعلقات المصروفات التى تكلفها الزوج فى الزواج من اثاث وغيره وان تتنازل عن مستحقاتها من نفقة ومؤخر صداق وغيره فهى قضية خلاص مقابل الابراء بلغة الشريعة الاسلامية.

في 6/7/1980 ذكرت المحكمة أنها وجدت بالملف عريضة من المدعى عليه مؤرخة في 23/1/1980 يدعي فيها أن الحياة الزوجية قد عادت بين الزوجين إلى سابق حالها واصطلحا بعد رفض المحكمة الدعوى الأولى من ا لمدعية بطلبها الطلاق للضرر وكان نتيجة ذلك أن أنجبا طفلة تاريخ ميلادها 6/3/1979 وصادقت المدعية على ما جاء بالعريضة وإنجابها طفلة منه .

أصدرت المحكمة قرارها في 6/7/1980 ويقضي برفض الدعوى مؤسسة ذلك بأن واقعة بعث الحكمين طبقاً للمنشور (17) لم تتحقق وذلك استناداً على المنشور (61) في الفقرة (ج) من المادة الخامسة منه والتي تشترط لذلك عدم المعاشرة بين الزوجين وإنجابهما بسبب ذلك الطفلة المذكورة طعنت المحكوم ضدها بالاستئناف في 7/7/1980 أمام محكمة المديرية بموجب القضية 117/ق س/1980 طالبة إلغاء الحكم وإجازة ما قرره الحكمان . مؤسسة ذلك بأن المحكمة الابتدائية قد طبقت الواقعة المنشور (61) مع أن النص الواجب التطبيق هو المادة (15) من المنشور(17) التي تشترط تكرار الشكوى والعجز عن الإثبات، وأن المنشور (61) لم يرد قيداً على المادة المذكورة بل جاء ليعالج واقعة تخالف ما عالجه المنشور (17) وهي ثبوت ضرر يمنع الطاعة ولا يبيح الطلاق مع استمرار الخصومة وتعذر التقاء الزوجين .

وأجاب المستأنف ضده على الطعن بأن الطعن المدعى به في القضيتين لم يثبت وقد أقسم اليمين على نفيه فالواجب رفض الاستئناف وقرار الحكمين .

ثم أصدرت محكمة الاستئناف قرراها المؤرخ 14/1/1981م برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه .

وعللت قراراها بأن الشرط في بعض الحكمين تكرار الضرر وتعدد الشكوى والصلح الذي تم بين الطرفين وطابت الحياة بسببه ثلاث سنوات أو أكثر كان من ثمرته إنجاب طفلة في 6/3/1979 هذا الصلح إنما تم بعد دعوى الضرر الأولى وامتد حتى واقعة الضرر الثانية فينبغي ألا تؤخذ تلك الشكوى التي أعقبها صلح في الاعتبار وعليه فلم يبق سوى الضرر المدعى به مؤخراً ولذا فقد جاء قرار بعث الحكمين في غير محله وقرار المحكمة الابتدائية العدول عنه جاء صحيحاً فينبغي تأييده .

في 26/1/1981م طعنت المحكوم ضدها بالنقض في قرار المحكمتين الابتدائية والاستئنافية بموجب القضية 34/1981 مطالبة بإلغاء القرارين والحكم بما قرره الحكمان وأسست طلبهما بما يأتي :

أولاً : إن تكرار الشكوى بالضرر قد تحقق وذلك بموجب القضايا 151/76 و 467/79 و1058/79 مدني الابتدائية كما تحقق العجز عن الإثبات فأصبح بعث الحكمين لازماً وهذا ما قررته المحكمة الابتدائية أولاً .

ثانياً : إن واقعة الدعوى هذه إنما تحكمها المادة (15) من المنشور (17) وأن المنشور (61) إنما عالج – فيما عالج – حال رفض دعوى الطلاق للضرر مع ثبوت ضرر لا يستوجب التطبيق مع استمرار الخصومة بين الزوجين، وبالتالي فلا ينطبق المنشور (61) على هذه الدعوى .

ثالثاُ : إن الصلح الذي تم بين الزوجين لا يهدم الضرر الأول ولا يبطل قرار إحالة النزاع للتحكيم إذا ما حدث ضرر لاحق وتشاق الزوجين بعد الصلح، وهو ما حدث في هذه الواقعة، إنما الصلح الذي يهدم ويمنع بعث الحكمين فهو الذين يعقب واقعة الضرر الأخيرة وهذا ما لم يحدث .

وقد أعلن المطعون ضده بعريضة النقض فلم يرد إلى انقضاء المدة القانونية .

الأسباب

قدم الطعن في موعده القانوني فاستوفى شروطه الشكلية . وفي الموضوع فإن الطرفين قد اتفقا على تكرار الشكوى بالضرر والعجز عن الإثبات ولكن المحكمتين – الابتدائية والاستئنافية مع اتفاقهما على عدم استيفاء الشروط اللازمة لبعث الحكمين إلا أنهما قد اختلفتا في سبب ذلك، فقد ذهبت المحكمة الابتدائية إلى أن الصلح الذي تم بين الزوجين بعد الدعوى الأولى يخالف الفقرة (ج) من المادة (5) من المنشور (61) التي تشترط لبعث الحكمين استمرار الخصومة وعدم المعاشرة بين الزوجين فكأنها بذلك ترى أن بعث الحكمين لا يصح إلا بموجب المادة (5) من المنشور (61) في حين ذهبت محكمة الاستئناف إلى أن الصلح الذي تم بين الزوجين قد أبطل أثر الدعوى الأولى وبذلك لم يبق أثر لتلك الشكوى وبالتالي لم يتحقق التكرار الذي اشترطته المادة (15) من المنشور (17) وذلك على فرض صحة الشكوى الأخيرة وبذلك تطابق قرار المحكمين على رفض الدعوى مع اختلاف الأسباب .

إن بعث الحكمين عند عجز الزوجة عن إثبات الضرر إنما تحكمه في الأساس – المادة (15) من المنشور (17) التي تشترط تكرار الشكوى عملاً بأحد قولين في المذهب المالكي إلا أن المشرع قد لاحظ أن العجز عن الإثبات قد يحدث مرة واحدة ولا يتأتى في التكرار باستمرار الخصومة بين الزوجين وعدم قدرة الزوج على الحصول على حكم بالطاعة وذلك إذا ثبت للمحكمة ضرر لا يبرر له طلب الحكم بالطاعة فعالج هذه الواقعة بالمادة (5) من المنشور (61) فأصبح كل من التشريعين يعالج أمراً يخالف ما يعالجه الآخر أما الدعوى في التشريع(17) تتكون من واقعتين أو عدة وقائع أما في المنشور (61) فإنها تنصب على واقعة واحدة إلا أن استمرار الخصومة لمدة سنة على الأقل أباح للزوجة أن تعيد طلبها بالطلاق وللمحكمة أن تبعث الحكمين عند رفض الزوج الطلاق وعليه فإن المنشور (61) لم يرد قيداً على المادة (15) من المنشور (17) بل لا يزال النص في الأخيرة على إطلاقه ، ومجال تطبيقه يخالف مجال تطبيق التشريع اللاحق ويبدو أن الخلط الذي وقعت فيه المحكمة الابتدائية ناشئ من أن المنشور (61) قد نص في أ كثر من موضع على بعث الحكمين وأن يكون بعثهما وفقاً للمنشور (17) فتبادر إلى المحكمة أن بعث الحكمين الذي جاءت أحكامه في المنشور (17) لا يتم إلا مراعاة لما ورد في المنشور (61) وهو خطأ واضح .

إن الصلح الذي تم بين الزوجين لا يؤثر في صحة بعث الحكمين إذا ما تجدد الضرر وتكررت الشكوى لأنه لا يتصور أن يتكرر الضرر إلا بعد الصلح وأن أساس بعث الحكمين الذي يقوم عليه المذهب المالكي وهو مصدر هذا التشريع – إنما هو الإشكال فإذا أشكل الأمر على المحكمة ولم يثبت لها ضرر الزوج أو أحد الزوجين للآخر بالبينة أو الإقرار بعثت الحكمين عملاً بالآية الكريمة، والصلح لا يزيل الإشكال إذا ما تكرر الضرر واستمر العجز عن الإثبات – لأن للقاضي – كما ورد في الفقه المالكي أن يسكنها بين قوم صالحين إن لم تكن بينهم ليشهدوا عليه وهذا إنما يكون بعد الشكوى الأولى والسكنى مع الزوج بين قوم صالحين إنما هو استمرار للعشرة وقد ينتج عن هذا الصلح من فشل فلم يرد في المذهب ما يجعل هذا مانعاً من بعث الحكمين . جاء في الشرح الكبير – قوله : ويسكنها بين قوم صالحين – وهم من تقبل شهادتهم – إن لم تكن من بينهم ، هذا فيما ادعت الضرر وتكررت الشكوى وعجزت عن إثبات دعواها، وفيما إذا ادعى كل منهما الضرر وتكررت الشكوى وعجزا عن إثباته فمحل تسكينه بينهم إنما هو عند الإشكال، وإن أشكل الأمر – أي استمر الإشكال بعد تسكينها بين قوم صالحين أو كانت بينهم ابتداءً أو لم يمكن للسكنى بينهم بعث الحاكم حكمين ( الشرح الكبير 2 ص 350 ) فيبدو مما أوردنا أن المبرر لبعث الحكمين قد تحقق – كما أن التكرار الذي اشترطه المذهب لا يتأتى إلى بمعاودة الزوجين حياتهما واستمرار العشرة بينهما لفترة أخرى، وما يترتب على تلك العشرة من فشل لا يمنع بعث الحكمين إذا ما تكررت الشكوى، ولذلك فقد خالفت محكمة الاستئناف أحكام المذهب وهو مصدر التشريع – أن المحكمتين قد استندتا على أن إنجاب الطفلة في تاريخ لاحق هو 6/3/1979 دليل على استمرار الحياة الزوجية وامتداد الصلح بين الزوجين إلى ذلك التاريخ ما يناقض دعوى الزوجة الثانية بالضرر وطلبها التفريق وهو مجرد استنتاج لا يقوى إلى درجة الدليل الذي يثبت بالظن القوي فإنه لا تعارض بين وجود خصومة بين الزوجين وإنجاب الزوجة من زوجها في تاريخ لاحق بحسب طبيعة انتظار الحمل في بطن أمه كما أن وجود قضية مرفوعة من الزوج بطلب الحكم على زوجته بالطاعة يدحض هذا ويثبت نقيضه وعليه فقد يثبت بكل ذلك تكرار الشكوى بالضرر من المدعية والعجز عن إثباته، وهو أدل مظهر للشقاق بين الزوجين ولا علاج له إلا لما جاء في المادة (15) من المنشور (17) وهو بعث الحكمين الذي دلت عليه الآية الكريمة وهو ما قررته المحكمة الابتدائية أولاً . وبذلك جاء حكم المحكمتين مخالفاً لقانون والفقه فوجب إلغاءهما .

لـــذلـــــك

قرنا قبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع إلغاء حكم المحكمتين الابتدائية والاستئنافية والحكم بما قرره الحكمان بطلاق الطاعنة طلاقاً بائناً من المطعون ضده وإلزامها بدفع مبلغ ثلاثمائة جنيه

الطلاق بحكم القاضي أو التطليق:
يحق للزوجة إذا لحقها ضرر من زوجها أن تطالب بالتطليق و ما عليها في هذه الحالة غلا أن ترفع دعواها أمام المحكمة المختصة مصحوبة هذه الدعوى بعقد الزواج و عليها أن تثبت الضرر الحاصل بها و الأضرار التي يستجاب فيها للزوجة عند طلب التطليق هي :
1/عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المادة 78-79-80 قا الأسرة
و يستوجب في هذه الحالة أن يكون الحكم الذي يقضي بالنفقة نهائيا و أنذر الزوج خلال 20 يوما بتسديد النفقة و مع ذلك يمتنع عن التسديد فإن المحضر القضائي يحرر محضر إمتناع عن تسديد النفقة بهذا المحضر تستطيع الزوجة بأن تطالب بالتطليق بشرط ألا تكون قد تزوجت بهذا الزوج علما منها أنه معسر .
2/العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج كالجنون، الجذام ، البرص ، العقم ، و العيوب المستحدثة كمرض السيدا ...
3/الهجر في المضجع فوق 4أشهر فأكثر
4/الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية فإذا حكم على الزوج بعقوبة هذه الجريمة التي إرتكبها و تمس بشرف الأسرة و أمتال ذلك زنا المحارم فإنه في هذه الحالة قد تستحيل العشرة بين الزوجين فتطلب الزوجة التطليق لهذا السبب .
5/الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر و لا نفقة و يدخل في هذا المجال أيضا زوجة المفقود المادة 112 من قانون الأسرة .
6/ مخالفة الأحكام الواردة في نص المادة 8 من قانون الأسرة و هي حالة الزوج الذي لا يطلب الترخيص من الزوجة السابقة أو المرأة التي يريد منها الزواج أمام القاضي المختص و في حالة التدليس فإنه يحق للمرأة أن تطلب التطليق .
7/إرتكاب فاحشة ، فإذا أثبتت الزوجة زنا زوجها أو إرتكابه لفاحشة اللواط فإنه يحق لها طلب التطليق .
8/ الشقاق المستمر بين الزوجين فإذا أثبتت الزوجة بأن الشقاق بينها و بين زوجها مستمر و لم ينقطع بحيث ثبت أنها صدرت أحكام سواء في القسم الجزائي أو في مجال شؤون الأسرة خاصة غذا تكررت هذه الأحكام .
9/مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج فإذا كانت المادة 38 من قانون الأسرة أجازت للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج على الأموال المشتركة بينهما فإنه في حالة المخالفة يحق للزوجة المطالبة بالتطليق.
10/كل ضرر معتبر شرعا ( كالإعتداء عليها بالضرب ) و عليها إثبات ذلك بأحكام جزائية أو بشهادات طبية و في هذه الحالة لقاضي السلطة التقديرية في الحكم بالطلاق من عدمه .
الخلع :
هو إنتهاء العلاقة الزوجية بإتفاق الزوجين أو بحكم القاضي مقابل عوض تدفعه الزوجة لزوجها بإنفاقها عليه أو تقدير القاضي عند الخلاف فيه
المشرع الجزائري:
إقتدى المشرع الجزائري بما ذهب إليه جمهور الفقهاء بجواز الخلع و ذلك في لاقانون 84-11 كما جاء ذلك في نص المادة 54 منه : "يجوز للزوجة أن تخالع نفسها من زوجها على مال يتم الإتفاق عليه فإن لم يتفقا على شيء يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت الحكم "
و بناءا على هذا النص سارت المحكمة العليا في إتهاداته مع رأي جمهور العلماء الذين يندبون للزوج بأن يستجيب للخلع إذا طلبته زوجته
ثم في مرحلة لاحقة خالفات المحكمة العليا هذا الإجتهاد و إقتدت بالرأي الشاذ لا الذي يوجب على الزوج بأن يستجيب لمخالعة زوجته إذا طلبت الخلع .
إلا أن قانون 05-09 نص صراحة على أنه يجوز للزوجة أن تخالع نفسها بمقابل مالي و حسننا فعل المشرع الجزائري حتى تعطي فرصة للمرأة التي لم تستطع إثبات الضرر أن تخلع نفسها من زوجها على مال يتم الإتفاق عليه أو يقدره القاضي عند الخلاف فيه

اثبات النسب من خلال القانون المصرى

البصمة الوراثية




أهمية البصمة الوراثية :


تعتبر مسألة البصمة الوراثية ومدى الاحتجاج بها من القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر,



وقد تطورت الأبحاث في مجال الطب وتم اكتشاف محتويات النواة والصفات الوراثية التي تحملها الكروموسومات والتي يتعذر تشابه شخصين في الصفات الوراثية – عدا التوائم المتشابهة – وهي أكثر دقة وأكثر توفراً من بصمات الأصابع حيث يمكن أخذ المادة الحيوية الأساسية لنستخرج منها البصمة الوراثية من الأجزاء التالية :
1– الدم
2 – المني
3 – جذر الشعر
4– العظم
5 – اللعاب
6 – البول
7 – السائل الأمينوسي (للجنين)
8 – خلية البويضة المخصبة (بعد انقسامها 4 – 8)
9 – خلية من الجسم .



والكمية المطلوبة بقدر حجم الدبوس تكفي لمعرفة البصمة الوراثية


وقد ارتضى المجمع الفقهي بمكة التعريف التالي للبصمة الوراثية:
"البصمة الوراثية هي البنية الجينية نسبة إلى الجنيات أي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه"


إن مصادر البصمة الوراثية موجودة في النواة من كل خلية في جسم الإنسان والجسم يحتوي على ترليونات من الخلايا ، وكل خلية تحتضن نواة هي المسئولة عن حياة الخلية ووظيفتها وكل نواة تحتضن المادة الوراثية بداية من الخواص المشتركة بين البشر جميعهم أو بين سلالات متقاربة وانتهاء بالتفصيلات التي تختص بالفرد وتميزه بذاته بحيث لا يطابق فرداً آخر من الناس ومصدر البصمة موجود على شكل أحماض أمينية (DNA) وتسمى الصبغيات لأن من خواصها أنها تلون عند الصبغ ويطلق عليها أيضاً " الحمض النووي " لأنها تسكن في نواة الخلية وهي موجودة في الكروموسومات، وهذه الكروموسومات منها ما هو مورث من الأب والأم ومنها ما هو مستجد بسبب الطفرة الجديدة NEO MUTATION



والصفات الوراثية تنتقل من الجينات وهذه الجينات تتواجد في الكروموسومات وهناك حوالي مئة ألف جين مورث في كل كروموسوم واحد ،


لذلك لو تم دراسة كروموسومين فقط بطريقة عشوائية لأمكن متابعة عدد كبير من هذه الصفات الوراثية في هذين الكرموسومين ولأصبح الجواب الصحيح في معرفة البصمة الوراثية للأبوة والبنوة بنسبة نجاح تصل لـ 99.9% نظراً لعدم تطابق اثنين من البشر في جميع هذه الصفات الوراثية



مجالات الاستفادة من البصمة الوراثية :


إن اكتشاف القوانين المتعلقة بالوراثة ومعرفة ترتيب عناصرها المشتركة والخاصة ومعرفة كيفية الاستفادة منها مما هيأه الله للبشر من العلم في هذا الزمان
كما قـال تعالى:"ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء"
ويمكن تطبيق هذه التقنية والاستفادة منها في المجالات التالية :


1-
إثبات النسب أو نفيه وما يتعلق بذلك مثل تمييز المواليد المختلطين في المستشفيات أو في حال الاشتباه في أطفال الأنابيب أو عند الاختلاف أو التنازع في طفل مفقود بسبب الكوارث والحوادث أو طفل لقيط أو حال الاشتراك في وطء شبهة وحصول الحمل أو عند وجود احتمال حمل المرأة من رجلين من خلال بييضتين مختلفتين في وقت متقارب كما لو تم اغتصاب المرأة بأكثر من رجل في وقت واحد ، أو عند ادعاء شخص عنده بينة ( شهود ) بنسب طفل عند آخر قد نسب إليه من قبل بلا بينة .
2-
تحديد الشخصية أو نفيها مثل عودة الأسرى والمفقودين بعد غيبة طويلة والتحقق من شخصيات المتهربين من عقوبات الجرائم وتحديد شخصية الأفراد في حالة الجثث المشوهة من الحروب والحوادث والتحقق من دعوى الانتساب بقبيلة معينة بسبب الهجرة وطلب الكلأ أو تحديد القرابة للعائلة .
3-
إثبات أو نفي الجرائم وذلك بالاستدلال بما خلفه الجاني في مسرح الجريمة من أي خلية تدل على هويته كما هو الحال في دعاوى الاغتصاب والزنى والقتل والسرقة وخطف الأولاد وغير ذلك.


ويكفي أخذ عينة من المني أو العثور على شعرة أو وجود أثر اللعاب عقب شرب السيجارة أو


أثر الدم أو بقايا من بشرة الجاني أو أي خلية تدل على هويته :
ونسبة النجاح في الوصول إلى القرار الصحيح مطمئنة لأنه في حال الشك يتم زيادة عدد الأحماض الأمينية ومن ثم زيادة عدد الصفات الوراثية .



ومن أشهر القضايا التي استعملت فيها هذه التقنية فضيحة بيل كلنتون الرئيس الأمريكي في قضيته المشهورة مع ليونيسكي ، حيث لم يعترف ويعتذر للجمهور الأمريكي إلا بعد أن أظهرت الأدلة الجنائية وجود بصمته الوراثية المأخوذة من المني الموجود على فستان ليونيسكي .


طرق إثبات النسب في الشريعة الإسلامية :


لا خلاف بين الفقهاء أن النسب الشرعي لا يثبت في حال تصادم النسب مع الواقع الحسي كما لو ادعت المرأة نسب طفل لزوجها الصغير الذي لا يولد لمثله وكذا لو أتت به قبل مضي ستة أ شهر من الزواج .


ويثبت النسب في الشريعة الإسلامية بالطرق التالية :


1- الفراش :
وهو تعبير مهذب عن حالة اجتماع الرجل بالمرأة حيث تكون المرأة كالفراش لزوجها ، ولما كان التحقق من حالة ( الجماع ) بين الزوجين شبه متعذر لكونها مبنية على الستر اكتفى الجمهور بمظنة الدخول


خلافاً للحنفية الذين اكتفوا بعقد النكاح واعتبروا المرأة فراشاً لزوجها يثبت به النسب


وذهب بعض المتأخرين كابن تيمية وابن القيم إلى اشتراط الدخول المحقق وعدم الاكتفاء بمظنة الدخول .
ولا شك أن الأول أولى فعامة أحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن وإثبات الدخول المحقق في كل حالة متعذر .



وإثبات النسب عن طريق الفراش مجمع عليه بين الفقهاء لقوله – صلى الله عليه وسلم-: "الولد للفراش"


2- البينة :
وقد أجمع الفقهاء على أن النسب يثبت لمدعيه بناء على شهادة العدول بصحة ما ادعاه ويكفي في ذلك الاستفاضة بمعنى الشهادة بالسماع بأن يشتهر الأمر بين الناس حتى يصير معروفاً بينهم ويقول جمع كبير من الناس سمعنا أن فلانا ابن فلان
3– القيافة :
وهي مصدر قاف بمعنى تتبع أثره ليعرفه ، يقال : فلان يقوف الأثر ويقتافه والقائف هو الذي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه
، والمراد بها هنا :الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود


وقد ذهب الحنفية إلى أن القيافة لا يلحق بها النسب لأنها ضرب من الظن والتخمين بينما ذهب جمهور العلماء بالأخذ بها لدلالة السنة والآثار عليها،


ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ذات يوم مسروراً تَبْرُقُ أسارير وجهه ، فقال : "ألم تريْ أن مجزَّزاً المُدْلِجي نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض "
وجه الدلالة :
أن سرور النبي – صلى الله عليه وسلم - دال على إقراره بالقيافة وحاشاه عليه الصلاة والسلام أن يسمع باطلاً فيقره أو يسكت عنه


4 – القرعة :
وذلك عند التنازع على طفل ولا بينة لأحدهم فيجرى القرعة وهذه أضعف الطرق ولم يأخذ بها جمهور العلماء وهو مذهب الظاهرية وإسحاق ورواية عند الحنابلة وكذا المالكية في أولاد الإماء
وهذه الطريقة غير معمول بها في هذا الزمان بفضل الله ثم التقدم العلمي في مجال تحليل الدم والبصمة الوراثية إذ شاعت واستقر العمل بها في محل التنازع في النسب ,



ضوابط إجراء تحليل البصمة الوراثية :
اشترط الفقهاء الباحثين والأطباء المختصين في البصمة الوراثية شروطاً عديدة حتى تقبل ، والذين رأوا أنها تقاس على القيافة اشترطوا شروط القيافة مع بعض الزيادات
والشروط الواجب توفرها ما يلي :
1 – أن لا يتم التحليل إلا بإذن من الجهة المختصة .
2 – يفضل أن تكون هذه المختبرات تابعة للدولة وإذا لم يتوفر ذلك يمكن الاستعانة بالمختبرات الخاصة الخاضعة لإشراف الدولة ، ويشترط على كل حال أن تتوافر فيها الشروط والضوابط العلمية المعتبرة محلياً وعالمياً في هذا المجال .
3 – يشترط أن يكون القائمون على العمل في المختبرات المنوطة بإجراء تحاليل البصمة الوراثية ممن يوثق بهم علماً وخلقاً وألا يكون أي منهم ذا صلة قرابة أو صداقة أو عداوة أو منفعة بأحد المتداعيين أو حكم عليه بحكم مخل بالشرف أو الأمانة
4 – أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل معترف بهما ، على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد المختبرات التي تقوم بإجراء الاختبار بنتيجة المختبر الآخر
5 – توثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية بدءاً من نقل العينات إلى ظهور النتائج النهائية حرصاً على سلامة تلك العينات ، وضماناً لصحة نتائجها ، مع حفظ هذه الوثائق للرجوع إليها عند الحاجة.
6 – عمل البصمة الوراثية بعدد أكبر من الطرق وبعدد أكبر من الأحماض الأمينية لضمان صحة النتائج
7 – أن يجري اختبار البصمة الوراثية مسلم عدل ، لأن قوله شهادة ، وشهادة غير المسلم لا تقبل على المسلم إلا الوصية في السفر ونحوه


والخلاصة :
أن البصمة الوراثية تكون بينة مستقلة يجب العمل بمقتضاها إذا توفرت الشروط اللازمة ، وأنها لا تقاس على القيافة فهي باب آخر ، وأن عامة المعاصرين يرون صحة الاعتماد عليها في حالات التنازع وحالات الاشتباه وحالات الاختلاط سواء في الأطفال أو الجثث أو الحروب والكوارث .


هل ينتفي النسب بالبصمة الوراثية دون اللعان؟


اللعان : شهادات تجري بين الزوجين مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة .
وقد شرع اللعان لدرء الحد عن الزوج إذا قذف زوجته بلا شهود أو أراد قطع نسب الحمل أو الطفل المولود عنه ، وهي أيضا حماية وصيانة لعرض الزوجة ودفعاً للحد عنها .
والطريقة التي جاءت به النصوص الشرعية لنفي النسب هو اللعان .
فهل يصح نفي النسب بالبصمة الوراثية إذا جاءت النتائج تؤكد ذلك ويكتفي بها أم لابد من اللعان أيضاً ؟
اختلف الفقهاء المعاصرون في صحة نفي النسب بالبصمة الوراثية فقط دون اللعان ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي :
1 – لا ينتفي النسب الشرعي الثابت بالفراش (الزوجية) إلا باللعان فقط ، ولا يجوز تقديم البصمة الوراثية على اللعان .
وهذا القول عليه عامة الفقهاء المعاصرين
وعليه قرار مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة وجاء فيه " لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ، ولا يجوز تقديمها على اللعان


القول الثاني : يمكن الاستغناء عن اللعان والاكتفاء بنتيجة البصمة الوراثية إذا تيقن الزوج أن الحمل ليس منه
وهذا الرأي ذهب إليه الشيخ يوسف القرضاوي


القول الثالث : إن الطفل لا ينفى نسبه باللعان إذا جاءت البصمة الوراثية تؤكد صحة نسبة للزوج ولو لاعن ،وينفى النسب باللعان فقط إذا جاءت البصمة تؤكد قوله وتعتبر دليلاً تكميلاً .


وهذا الرأي ذهب إليه نصر فريد واصل ،وعليه الفتوى بدور الإفتاء المصرية


القول الرابع : إذا ثبت يقيناً بالبصمة الوراثية أن الحمل أو الولد ليس من الزوج فلا وجه لإجراء اللعان وينفى النسب بذلك .
إلا أنه يكون للزوجة الحق في طلب اللعان لنفي الحد عنها لاحتمال أن يكون حملها بسبب وطء شبهة ، وإذا ثبت عن طريق البصمة الوراثية أن الولد من الزوج وجب عليه حد القذف .


الأدلة :
أولاً : استدل القائلون بأن النسب لا ينفى إلا باللعان فقط بما يلي :
1 – قوله تعالى : "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين
وجه الدلالة :
أن الآية ذكرت أن الزوج إذا لم يملك الشـهادة إلا نفسه فيلجأ للعان ، وإحداث البصمة بعد الآية تزّيد على كتاب الله " ومن أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد "(38) .
2 – عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فأقبضه إليك ، فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي عهد إلى فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا (تدافعا) إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إلي فيه ، فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله.
وجه الدلالة :
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - أهدر الشبه البين وهو الذي يعتمد على الصفات الوراثية وأبقى الحكم ا لأصلي وهو " الولد للفراش " فلا ينفى النسب إلا باللعان فحسب(40) .
3 – حديث ابن عباس في قصة الملاعنة وفيه : " أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين ، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء … فجاءت به كذلك فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : لولا ما قضي من كتاب الله لكان لي ولها شأن "


وجه الدلالة :
" إذا نفى الزوج ولداً من زوجته ولد على فراشه فلا يلتفت إلى قول القافة ولا تحليل البصمة الوراثية لأن ذلك يعارض حكماً شرعياً مقرراً وهو إجراء اللعان بين الزوجين ،ولذلك ألغى رسول الله – صلى الله عليه وسلم (دليل الشبه) بين الزاني والولد الملاعن عليه …
ودليل (الشبه) الذي أهدره رسول الله – صلى الله عليه وسلم - هنا يعتمد على الصفات الوراثية فهو أشبه بالبصمة الوراثية ومع ذلك لم يقو على معارضة الأصل الذي نزل به القرآن في إجراء اللعان


وقال ابن القيم تعليقاً على الحديث السابق أن فيه " إرشاد منه – صلى الله عليه وسلم - إلى اعتبار الحكم بالقافة ، وأن للشبه مدخلاً في معرفة النسب ،وإلحاق الولد بمنزلة الشبه ،وإنما لم يُلحق بالملاعن لو قدر أن الشبه له ، لمعارضة اللعان الذي هو أقوى منه الشبه له "(43).


4 – إن الطريق الشرعي الوحيد لنفي النسب هو اللعان ولو أن الزوجة أقرت بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج لقوله – صلى الله عليه وسلم- الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا ينتفي عنه إلا باللعان ، ثم كيف يجوز إلغاء حكم شرعي بناء على نظريات طبية مظنونة(44) .


5 – إننا لا نستطيع أن نعتمد على البصمة فحسب ونقيم حد الزنا على الزوجة، بل لابد من البينة ، فكيف تقدم البصمة على اللعان ولا نقدمها على الحد .


ثانياً : أدلة القائلين باعتبار البصمة الوراثية :
1 – قوله تعالى : "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم.. "
وجه الدلالة :
أن اللعان يكون عندما ينعدم الشهود وليس ثمة شاهد إلا الزوج فقط حينئذ يكون اللعان .
أما إذا كان مع الزوج بينة كالبصمة الوراثية تشهد لقوله أو تنفيه فليس هناك موجب للعان أصلا لاختلال الشرط في الآية .
2 – أن الآية ذكرت درء العذاب ، ولم تذكر نفي النسب ولا تلازم بين اللعان ونفي النسب ، فيمكن أن يلاعن الرجل ويدرأ عن نفسه العذاب ولا يمنع أن ينسب الطفل إليه إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية
3 – قوله تعالى : "وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم"


وجه الدلالة :
أن شق القميص من جهة معينة اعتبرت نوعاً من الشهادة والبصمة الوراثية تقوم مقام الشهادة


4 – إن نتائج البصمة يقينية قطعية لكونها مبنية على الحس ، وإذا أجرينا تحليل البصمة الوراثية وثبت أن الطفل من الزوج وأراد أن ينفيه ، فكيف نقطع النسب ونكذب الحس والواقع ونخالف العقل ، ولا يمكن البتة أن يتعارض الشرع الحكيم مع العقل السليم في مثل هذه المسائل المعقولة المعنى وهي ليست تعبدية . فإنكار الزوج وطلب اللعان بعد ظهور النتيجة نوع من المكابرة والشرع يتنزه أن يثبت حكماً بني على المكابرة .


5 – أن الشارع يتشوف إلى إثبات النسب رعاية لحق الصغير ومخالفة البصمة لقول الزوج في النفي يتنافى مع أصل من أصول الشريعة في حفظ الأنساب ، وإنفاذ اللعان مع مخالفة البصمة لقول الزوج مع خراب الذمم عند بعض الناس في هذا الزمان وتعدد حالات باعث الكيد للزوجة يوجب عدم نفي نسب الطفل إحقاقاً للحق وباعثاً لاستقرار الأوضاع الصحيحة في المجتمع


الترجيح :
قبل ذكر القول الراجح يجدر الاشاره إلى النقاط التالية :
1 – لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوج إذا لاعن ونفى نسب الطفل وجاءت النتيجة تؤكد قوله . فإن النسب ينتفي ويفرق بينهما لكن الزوجة لا تحد لوجود شبهة اللعان و" الحدود تدرأ بالشبهات "
2 – لا خلاف بين الباحثين في المسألة لو أن الزوجين رضيا بإجراء البصمة قبل اللعان للتأكد وإزالة الشبهة فإن ذلك يجوز في حقهما ، بل استحسن بعض الفقهاء عرض ذلك على الزوجين قبل اللعان


ويظهر أن البصمة الوراثية إذا جاءت مخالفة لقول الزوج فلا يلتفت لدعواه بنفي النسب وإن لاعن أو طلب اللعان ، وأن نسب الطفل يثبت للزوج ويجري عليه أحكام الولد وإن جاءت موافقة لقول الزوج فله أن يلاعن وذلك للأمور التالية :
1 – أن الشريعة أعظم من أن تبني أحكامها على مخالفة الحس والواقع ، فإن الشرع أرفع قدراً من ذلك والميزان الذي أنزله الله للحكم بين الناس بالحق يأبى كل الإباء ذلك .
فلو استلحق رجلاً من يساويه في السن وادعى أنه أبوه فإننا نرفض ذلك لمخالفته للعقل والحس
فلا يمكن أن يتساوى أب وابن في السن مع أن الاستلحاق في الأصل مشروع .
وقد رد جماهير العلماء دعوى امرأة مشـرقية تزوجت بمغربي ولم يلتقيا وأتت بولد ، فإن الولد لا يكون لزوجها المغربي البتة لمخالفة ذلك للحس والعقل وهذا النفي
ليس تقديماً لقوله – صلى الله عليه وسلم -: " الولد للفراش " إنما لمخالفة ذلك لصريح العقل والحس .
قال ابن تيمية : " فلا تتناقض الأدلة الصحيحة العقلية والشرعية ، ولا تتناقض دلالة القياس إذا كانت صحيحة ، ودلالة الخطاب إذا كانت صحيحة فإن القياس الصحيح حقيقته التسوية بين المتماثلين وهذا هو العدل الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل والرسول لا يأمر بخلاف العدل " (52) .
2 – أن آية اللعان قيدت إجراءه بما إذا لم يكن ثمة شاهد إلا الزوج ، ومفهومه أنه لو كان هناك بينة من شـهود فإنه لا يجرى اللعان بل يثبت ما رمى به الزوج زوجته .
ومن البدهي لو كانت هناك بينة أخرى غير الشهادة فلا وجه لإجراء اللعان كما لو أقرت الزوجة زوجها فيما رماها به من الزنا . فإذا منعنا وقوع اللعان لوجود سبب مانع له ، فما وجه إجرائه مع وجود بينة قطعية ( البصمة الوراثية ) تخالف دعوى الزوج . فإننا إذا قمنا بذلك كان ضرباً من المكابرة ومخالفة للحس والعقل ، واللعان معقول المعنى معروف السبب وليس تعبدياً محضاً .
قال ابن القيم:"والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد…" .
فإذا علمنا أن الشهادة أقوى من قول الزوج في اللعان لأن الشهادة مبنية على غلبة الظن أما قول الزوج في اللعان فهو متساوي الطرفين في الصدق أو الكذب أي بنسبة (50 %) لأنه إما أن يكون صادقاً أو تكون الزوجة صادقة ، فهل من الفقه أن ندع بينة قطعية تصل لـ 99.9 % تؤكد كـذب الزوج ونأخذ ما هو محتمل للصدق بنسبة 50% وننسب ذلك للشريعة ؟؟!!
قال ابن القيم : " والله أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ، ثم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة وأبين أمارة ، فلا يجعله منها ، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها ، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له "


3 – قوله تعالى : "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" (55)
فإلحاق نسب الطفل بأبيه مقصد عظيم من مقاصد الشريعة ، فإذا أثبتت البصمة الوراثية نسب طفل وأراد الأب لأوهام وشكوك أو للتهرب من النفقة أو لأي غرض آخر – مع ضعف الذمم في هذا الزمان – فإن العدل يقتضي أن نلحق الطفل بأبيه ولا نمكن الأب من اللعان لئلا يكون سبباً في ضياع الطفل . (56).
4 - إن الاحتجاج بقصة اختصام عبد بن زمعة مع سعد بن أبي وقاص وإلحاق الرسول – صلى الله عليه وسلم - الولد بالفراش وأمره لسودة بالاحتجاب منه مع أنه أخوها ،فقد قال ابن القيم : " وأما أمره سودة بالاحتجاب منه ، فإما أنه يكون على طريق الاحتياط والورع لمكان الشبهة التي أورثها الشَّبَهُ البيِّن بعُتبة ، وأما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالاً للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب ، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدّعي لقوته ، وأعمل الشَّبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة ، وهذا من أحسن الأحكام وأبينها ، وأوضحها ، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه …وقال : وقد يتخلف بعض أحكام النسب مع ثبوته لمانع ، وهذا كثير في الشريعة ، فلا ينكر مِن تخلُّف المحرمية بين سودة وبين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة ، وهل هذا إلا محض الفقه "(


فدعوى أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - لم يلتفت لأمر الشبه (البصمة الوراثية) واستدلالهم بالحديث هذا هو استدلال بعيد ، بل الحديث حجة عليهم حيث اعتبر الرسول – صلى الله عليه وسلم- أمر الشبه لذا أمر بالاحتجاب .
ففي حال التنازع على طفل ولد على فراش صحيح ، ما المانع أن نعمل دليل الشبه ونثبت مقتضاه نفياً وإثباتاً ويكون درء الحد عن الزوج لوجود شبهة اللعان وبهذا نعمل بالأدلة كلها لا سيما وأن الطفل ولد على الفراش فيتقوى إثبات النسب للطفل من جهة " الولد للفراش " ، ومن جهة البصمة الوراثية ، هذا في حال نفي النسب وثبوت خلاف ذلك من جهة البصمة ، أما إذا جاءت البصمة تؤكد قول الزوج فيجتمع دليل اللعان مع البصمة فينتفي النسب وندرأ الحد عن الزوجة لوجود شبهة اللعان .
أما في حال الملاعنة فالأصل أن الطفل منسوب للزوج لأن الزوجة فراش له وجاء أمر الشبه ( البصمة الوراثية ) تؤكد ذلك الأصل فإننا نعمل بالأصل ونلحق الطفل بأبيه لدلالة الفراش والشبه ونكون أعملنا الشطر الأول من الحديث " الولد للفراش " وندرأ الحد عن الزوج إذا لاعن لوجود شبهة الملاعنة والحدود تدرأ بالشبهات ونكون أعملنا الشطر الثاني من الحديث " واحتجبي عنه يا سودة " .
ويجاب عن حديث الملاعنة بنحو ما تقدم فقد جاء في الحديث " إن جاءت به أصيهب أريضخ أثيبج حمش الساقين فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الإليتين فهو الذي رميت به – وهو شريك بن سمحاء كما في رواية البخاري – فجاءت به أورق جعداً خدلج الساقين سابغ الإليتين ، أي شبيهاً لشريك بن سمحاء الذي رميت به – فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- : " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " فقد أفاد الحديث أنه حتى لو تمت الملاعنة بين الزوجين وولد الطفل شبيهاً بالزوج صاحب الفراش فإنه ينسب له ولا ينفى عنه – ؛ لأن النص جاء بنسبته إليه لأنه أقوى بكثير من مجرد التشابه الظاهري الذي أخذ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في إثبات النسب ويدرأ الحد عن الزوج لوقوع الأيمان وبهذا عملنا بالأدلة كلها وهذا من دقائق المسائل التي يحظى بها من رزقه الله حظاً وافراً من الفقه (58).


4 – أن اعتراضهم على عدم إقامة الحد على الزوجة اعتماداً على البصمة الوراثية واكتفاءً بها دليل على أنها ليست حجة بذاتها يجاب عنها من وجهين :
1 – أن هناك فرقاً بين إثبات النسب أو نفيه وبين إقامة الحد القائم على المبالغة في الاحتياط فالحدود تدرأ بالشبهات بخلاف النسب فهو يثبت مع وجود الشبهة كما في قصة عبد بن زمعة ، فلو ادعت المرأة أنها كانت مكرهة أو أنها سقيت شراباً به مادة منومة وزنا بها آخر فحملت منه كان ذلك كافياً في إسقاط الحد عنها ، وكذا الرجل لو ادعى أنه أودع منية في ( بنك المني ) وأن امرأة أخذت منيه بطريقة أو بأخرى واستدخلته وحملت بطفل وجاءت البصمة الوراثية تؤكد لحقوق الطفل وراثياً بذلك الرجل لم يحد لوجود شبهة ، لا لأن البصمة ليست حجة .
2 – إن من العلماء المعاصرين من يقول بإقامة الحد إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية ولم يدع المتهم شبهة اعتماداً على هذه البينة وأخذاً بما أخذ به بعض الفقهاء المتقدمين كما قال ابن القيم : " والرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء ، بل بين المسلمين كلهم ، وقد اعتمد الصحابة على القرائن فرجموا بالحبل وجلدوا في الخمر بالقيء والرائحة وأمر النبي r باستنكاه المقر بالسكر وهو اعتماد على الرائحة … فالعمل بالقرائن ضروري في الشرع والعقل والعرف "
3 – إن الفقهاء نصوا على أن الملاعن لو بدا له أن يعود في قوله ويلحق ابنه الذي نفاه باللعان جاز له ذلك لزوال الشبهة التي لاعن من أجلها ، فهل من الحكمة ومن العدل أن يتجاسر الناس للتعرض للعنة الله أو غضبه وندع البينة (البصمة الوراثية) ولا نحكمها بينهم ، ثم بعد اللعان يعود ويلحق ما نفاه !! فإن هذا من الفقه البارد .
الخلاصة :
أن البصمة الوراثية يجوز الاعتماد عليها في نفي النسب ما دامت نتيجتها قطعية كما يرد دعوى الزوج في نفي النسب إذا أثبتت نتائج البصمة الوراثية القطعية لحوق الطفل به ، لأن قول الزوج حينئذ مخالف للحس والعقل وليس ذلك تقديماً للعان ، وينبغي للقضاة أن يحيلوا الزوجين قبل إجراء اللعان لفحوص البصمة الوراثية لأن إيقاع اللعان مشروط بعدم وجود الشهود ، فإذا كان لأحد الزوجين بينة تشهد له فلا وجه لإجراء اللعان .
والأخذ بهذه التقنية يحقق مقصود الشرع في حفظ الأنساب من الضياع ويصد ضعفاء الضمائر من التجاسر على الحلف بالله كاذبين ،
والله اعلم .

المصدر :المجموعه الدوليه للمحاماه

منقول للفائدة
__________________
إذا لم تجـد عـدلا في محكمة الدنيا ، فارفـع ملفـك لمحكمة الآخـرة
فإن الشهود ملائكة ، والدعوى محفوظة ، والقاضي احكم الحاكمين